الزواج عندنا: غصب وبـيع
محمد الصالحي
يقولون لا تصدق الفتاة في مجتمعنا إذا قالت إنها (مظلومة)، ويقولون لا تصدقها إذا قالت إن حياتها مع أهلها هي الجحيم، ويقولون أيضا لا تصدق أرقام انتحار الإناث في البلاد والتي ارتفعت بشكل مذهل فمصدرها ليس رسميا. صدقت كل ذلك، لكني لم أطق صبرا وأنا أحبس هاتين القصتين منهن وعنهن وهن يحكين عن مجتمعي. صدقوها أو لا، ولكن تأكدوا أن ثمة مصيبة تنتظرنا قريبا.
1 ــ احتفلت (خلود) بحر الأسبوع المنصرم بفرحة فكاكها من ابن العم الثقيل ــ كما تصفه ــ هي تكره بالحد الأعلى من هذا الإحساس، لكن هذا لم يطغ على حب والدها له، أو يشفع لها أمامه، والذي ظل يخيرها طيلة خمس سنوات ماضية بالزواج منه، أو البقاء عانسة غابرة في غرفتها. قال لها بالأمر الذكوري الصارم: إما هو أو تجلسين معي لتخدميني بقية العمر. تقول عبر رسالة إلكترونية: رجوت أبي بالدمع وبأمي، لكنه يظل يستحضر وعده لأخيه ويسألني «اترضين أن أخلف وعدي له .. لا أظنك ترضينه». تقول (خلود): كنت أدعو ربي أن يزور الموت أحدنا .. أنا أو ابن عمي قبل أن نلتقي على عقد زواج، ولكن هذا الموت لم يأت، ففكرت في استعجاله بقرار (انتحار).
وتضيف: أخبرت أمي وأخواتي الإناث قبل شهر بألا يتساءلوا كثيرا إذا رأوني معلقة بغطاء رأسي، وليبحثوا عن الإجابة عند والدي. وتقصم (خلود) سطور الرسالة باعتراف جريء: أنت لا تعرفني لذا سأخبرك، تعرفت العام الماضي على شاب عبر الهاتف. أردت أن أعاقب قرارات والدي مثلما عاقب هو اختياراتي. أخيرا .. انتهت قصتها الأسبوع الماضي بعدما لجأت إلى مراسلة قدرها ــ ابن عمها ــ والذي اضطر للابتعاد عن جنونها. قالت له: «سأخدعك لو تزوجتني».
2 ــ اكتشفت (ليلى) أن محلول التنظيف المركز له مذاق حارق لا يحتمل. تناولت منه رشفتين ولم تكمل بقية القارورة فقذفتها. وذلك الاستنتاج توصلت إليه حين قرار انتحار اتخذته متأخرا ــ كما تقول. تزوجت وكان زواجها صفقة، تنازل فيها زوجها عن دين كبير أقرضه لأبيها قبل سنوات، وكان زواجها على بعد سنتين من حلمها بدخول قسم الصحافة والإعلام، والذي مات من وقته.
وكان زواجها نقطة تحول إلى كل ما هو سيء. تقول: صرت أجامل كل من حولي، أبي وأمي وأخواني وقبلهم زوجي. حتى حياتي التي كنت أحبها سلكت معها طريق المجاملة. لم أتوقع يوما أن أصير كومة لحم في بيت بعد بيع وشراء. مات قلبي وطموحي وإحساسي الذي ربيته منذ طفولتي. أنا اليوم بقية إنسان، وأنا اليوم في أقصى نقطة من هامش الحياة، كنت أريد أن أكون صحفية، وصرت ضحية قرارات الشراء والبيع في الزواج. خذ قصتي أكتب عنها أو امتنع فلم يعد يهمني ذلك.