المراهقة مرحلة التناقضاتوالمفاهيم الملتبسة رغم أن الأهل أصبحوا أكثر تفهمًا ووعيًا لمرحلة المراهقة التي يمر بها أبناؤهم فإنهم لا يزالون في حيرة من أمرهم في التعامل مع ابنهم المراهق نظرًا إلى أن المفاهيم والعادات والتقاليد تتغير من جيل إلى جيل. فأسلوب الحياة العصرية أوجد نوعًا جديدًا من المشكلات والمفاهيم الملتبسة التي تشكل أحيانًا عائقًا في توطيد العلاقة بين الأهل وأبنائهم المراهقين، فنسمع أبًا يقول لابنه مثلاً: «عندما كنت في سنّك لم أكن أجرؤ على قول«لا» لوالدي»، وأمًا تلوم ابنتها لأنها فضّلت الخروج مع صديقاتها على الذهاب معها لزيارة عمّتها.
ويرى اختصاصيو علم النفس المراهق أن هذه التناقضات في شخصية المراهق أمر طبيعي نظرًا إلى أن مرحلة المراهقة تشكّل جسر عبور نحو سن الرشد، يواجه خلالها المراهق الكثير من التغيرات الفيزيولوجية التي تؤثر في شخصيته، فيبدو متقلّب المزاج يبحث عن الاستقلالية والانفصال عن العلاقة العاطفية مع الأهل لتحديد هوّيته الخاصة بعيدًا عن قوانين الوالدين وقراراتهما، فيختار أصدقاءه من خارج المحيط العائلي، ويعترض على القوانين المنزلية أو الاجتماعية، ولكن في الوقت نفسه يشعر في قرار نفسه بالأمان عندما يضع له الأهل حدودًا ممنوع عليه تخطّيها، رغم أنه يّظهر مقاومته للخضوع لرغباتهم. إنها مرحلة المراهقة ومفاهيمها الملتبسة وعلى الأهل أن يكونوا مستوعبين لهذه المرحلة حتى تمر بسلام.
هوس التناقضاتيحتاج المراهق إلى مسافة نفسية بينه وبين والديه، والتفكير بطريقة مختلفة، فيما لا يكون لديه أفكار شخصية واضحة ومحددّة، فيختار معارضة أهله لمجرّد المعارضة. ولكن رغم أنه ليس واثقًا بما يجول في خاطره، فإنه يعبّر عن أفكاره ويتمسك بها، وأحيانًا يسخر من آراء والديه مما يثير غضبهما الذي قد يصل إلى مشادة حادة بينهما وبين ابنهما المراهق.
وينصح الاختصاصيون الأهل بأن يساعدوا أبناءهم المراهقين في بلورة أفكارهم المشوّشة وتطويرها. وهذه بعض الخطوات التي يمكن اتباعها:
١-السماح للمراهق بعرض وجهة نظره«هذه الأمور لا تعني لي شيئًا...» هذه عبارة يرددها الكثير من المراهقين على مسامع أهلهم، وما على هؤلاء بحسب الاختصاصيين إلا أن يردّوا بالقول: «حسنًا أنت تجد هذا الأمر غير نافع، إشرح لنا لماذا...». إذ أن موافقة الأهل على رأي ابنهم والاستماع إلى حجته حتى النهاية يشكلان حاجة ملحّة بالنسبة إليه. وغالباً ما يدرك المراهق أنه ليس على السكّة الصحيحة أثناء عرضه لوجهة نظره فيعدّلها. لذا يجدر بالأهل أن يسمحوا له بأن يجد طريق الصواب وحده.
٢-عدم السخرية منه عندما يعبّر المراهق عن آراء جريئة على الأهل تجنب قول عبارات تعتبر قاتلة لطموحه مثل «هذه الأفكار لن تجعلك تنجح في الشهادة الثانوية»، فهي لا تساعده في التفكير بشكل سليم بل قد يتشبث بها لكي يبرهن أن أهله على خطأ. لذا على الأهل أن يجاروه في التفكير ويناقشوه في أفكاره إلى أن يصل بنفسه إلى تقويمها وما إذا كانت صائبة أم لا.
٣-استعمال حس الفكاهةعندما يعارض المراهق أهله بشكل مستمر أثناء الجلوس إلى مائدة الطعام يمكن الأم أو الأب التعليق عليه بشكل مازح بالقول: «كان يجب أن يكون لديك أهل رجعيون جدًا»، ومن ثم تغيير مكان المناقشة، مما يجعله يتراجع عن موقفه.
٤-الاعتراف بالخطأعلى الأهل ألا يترددوا في الاعتراف بأن ابنهم على حق في ما قاله. إذ عندما يقول المراهق أمورًا مخالفة لآراء الراشدين فهناك احتمال لأن يكونوا على خطأ، كما في إمكانهم أن يتعلّموا أمورًا جديدة من المراهق، خصوصًا في ما يتعلّق بالشؤون التكنولوجية لا سيّما الكمبيوتر. فإذا وجد الأهل أن واحدة من أفكار ابنهم المراهق مهمة عليهم أن يعترفوا بذلك، فهم يساعدونه في هذه الحالة في تطوير مهارة النقاش الهادئ لديه.
٥-عدم التشديد على تناقضاتهإن هدف الأهل ليس حشر ابنهم في الزاوية والخروج من المناقشة منتصرين، بل مساعدته في توضيح وجهة نظره.
٦-تغيير موضوع الحوارعندما يزداد توتّر المراهق بسبب عدم موافقة أهله على ما يقوله، على الأهل أن ينهوا الحديث بالقول إنهم سيفكّرون في ما يقوله. على أن يعودوا إلى مناقشة الموضوع عندما يكون محيط المنزل أكثر هدوءًا على أن يستعمل الأب (أو الأم) ضمير المتكلم «أنا» عند شرح وجهة نظره والقول مثلا: «لهذا السبب أنا لا أوفقك الرأي». إذ لكي يطوّر المراهق شخصيته وتفكيره يحتاج إلى معرفة ما يفكّر فيه الراشدون.
٧-الثقة بالنفسعلى الأهل ألا يتصرّفوا مثل ابنهم المراهق، فعندما ينفعل ويحاول تبرير وجهة نظره يكون هذا مؤشرًا لأنه لا يثق بنفسه. وفي المقابل عندما يشعر الأهل بأنهم غير متأكدين مما يقولونه فإن المراهق سوف يلاحظ عدم ثقتهم بأنفسهم. لذا عليهم ألا يصرّوا على تبرير وجهة نظرهم بل عليهم شرح موقفهم ببساطة سواء قبل به أو لم يقبل.
٨-عدم الخوف من صراع الأجيالمن غير المفيد التهرّب أو تجنّب الصراع بين المراهق وأهله، لأنه ليس سوى صدمة بين موقفين متناقضين، وليس له أي أثر سلبي، بل هو أمر طبيعي جدًا أن تختلف وجهة نظر الوالد ذي الأربعين عامًا عن الابن ذي الخمسة عشر ربيعًا، إذ ليس من الضروري أن يكون جميع أفراد العائلة لديهم وجهة نظر واحدة أو يفكّرون بالطريقة نفسها. فيمكن لكل فرد في العائلة أن تكون لديه وجهة نظر خاصة مختلفة عن الآخر، وتقويم وجهات النظر ومناقشتها يسمحان لكل واحد بالتعبير عن رأيه وبالتالي تطويره. فإذا كان كل أفراد العائلة متفقين على كل الأمور لن يحصل حوار بينهم.